الاسراء والمعراج حدث عظيم وقع في مكة في أوائل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فالاسراء والمعراج آيتان أكرم الله بهما نبيه وهما سبب لتثبيت قلبه على الحق وقد رفع الله من شأنهما في كتابه، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ، فيجب التصديق بهما وشكر الله على ما أكرم به رسوله، وشكر الله يكون باجلال المنعم وتعظيمه والقيام بما أوجبه على عباده من فرائض وتحقيق العبودية له بامتثال ماأمربه واجتناب ما نهى عنه، وفي الاسراء والمعراج من الدلالة على فضل النبي صلى الله عليه وسلم وصدق نبوته الشيء الكثير كما سيظهر لنا من خلال ذكر الاسراء والمعراج بحسب ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
[تعريف الاسراء والمعراج]
الاسراء: الذهاب في الليل.
المعراج: الصعود من أسفل الى أعلى
وهذا ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فانه أُسري به ليلاً من المسجد الحرام في مكة الى المسجد الأقصى في القدس في فلسطين. ثم عرج به فصعد الى السماء السابعة.
[تاريخ الاسراء والمعراج]
قيل انه حدث في السنة العاشرة من البعثة في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب وقيل غير ذلك والله أعلم وقد اختلف في تعيين ليلته وشهره، قال ابن كثير: (لم يقم دليل على تعيين ليلته ولا على شهره ولكن اختلف في ذلك اختلافاً كثيراً والحقيقة مجهولة فوجب الامساك عن التعيين ولم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيين تلك الليلة فكل ما ورد في تعيينها غير صحيح ولا أصل له) أ.هـ[البداية والنهاية].
[الاسراء والمعراج في كتاب الله]
في المصحف الشريف سورة كاملة باسم الاسراء وفي أول هذه السورة جاء الكلام عن هذه الحادثة قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ]،
وفي تفسيرها قوله (سبحان) التسبيح هو التنزيه فالله منزه عن جميع العيوب والنقائص وله الكمال المطلق جل وعلا ومن ذلك نفي العجز عنه واثبات كمال قدرته فهو قادر على ان يذهب بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس مصعد به الى السماء ويريه من آياته الشيء العجيب (أسرى) وقد حصل ذلك بأمر من الله فأسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلاً جاء جبريل ومعه دابة سريعة يقال لها البراق وهو فوق الحمار ودون البغل، فاركب النبي صلى الله عليه وسلم وانطلق به من مكة الى بيت المقدس وخلال مدة يسيرة وصل الى المسجد الأقصى وذلك أمر معجز
أن يحصل في مدة يسيرة فيقطع تلك المسافة في ليلة واحدة ولكنها قدرة الله الباهرة فسبحانه وبحمده.
[بعبده] نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفي وصفه بالعبودية في هذا المقام دليل على فضل العبودية لله وشرفها.
[من المسجد الحرام]
في مكة وهو أجلُّ المساجد على الاطلاق والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وهل حصل الاسراء من المسجد تحت الكعبة أم من مكان غيره؟ ثبت في الصحيح أنه أسري به من بيت أم هانئ وللجمع بينها أنه أسري به من داخل حدود الحرم على القول بأنهما تبع للمسجد في مضاعفة الأجر فيرى بعض العلماء ان العبادة تضاعف في سائر الحرم كما تضاعف في المسجد.
[المسجد الأقصى] في بيت المقدس وهو من المساجد الفاضلة فالصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه ما عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى محل الأنبياء والقبلة الأولى للمسلمين ويشرع شد الرحال اليه، وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام.
[الذي باركنا حوله] بالرسالات المباركه المنزلة حول هذا المكان فهو محل للأنبياء فأجر الصلاة فيه مضاعف وشرع شد الرحال اليه وبارك الله حوله بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم.
[لنريه من آياتنا] فأراه الله ما ازداد به ايمانا ويقينا فرأى ما يدل على عظم قوة الله وقدرته وسلطانه الواسع، فالنبي سيتحمل مسؤولية ابلاغ الدعوة الى الناس واخبارهم عن الغيب بما يوحي اليه ربه وقد هيأه الله لذلك.
وقد ذكر الاسراء والمعراج في سورة النجم قال تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى اذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ، وفي تفسيرها [ما كذب الفؤاد ما رأى] ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رأته عينه ليلة عرج به فصدق به.
[أفتمارونه على ما يرى] المراد هو الجدال لأن قريش جادلوه ولم يصدقوه في قوله انه أسري به الى بيت المقدس فقالوا صف لنا بيت المقدس وهنا حدثت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فاظهر الله له بيت المقدس فأخد يصفه لهم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط قال: فرفعه الله لي أنظر اليه ما يسألوني عن شيء الا أنبأتهم» [رواه مسلم].
[ولقد رآه نزلة أخرى] محمد صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته الحقيقية مرة ثانية ليلة المعراج فرآه فوق السماء السابعة والمرة الأولى في الأفق.
[عند سدرة المنتهى] السدر نوع من الشجر وسدرة المنتهى شجرة عظيمة فوق السماء السابعة واختلف بالمقصود بالمنتهى فقيل اليهما منتهى علم الخلائق فلا يعلم ما وراءها وقيل اليها المنتهى فهي من الأعلى حيث بلغ نهاية معراج النبي صلى الله عليه وسلم وهي عالية فوق السماوات فاليها المنتهى في علوها وعندها الجنة التي فيها الخير الكثير وأنواع النعيم الدائم.
[إذ يغشى السدرة ما يغشى] يغشى يغطي أي ما ينزل على السدرة من أمر الله أو من الملائكة والله أعلم.
[ما زاغ البصر وما طغى] ما التفت النبي صلى الله عليه وسلم في بصره وهذا من جم أدبه وما تجاوز بصره حد ما أذن له برؤيته.
[لقد رأى من آيات ربه الكبرى] من الجنة والنار وغيرها من الأمور العظام ومنها مسراه الى بيت المقدس في ليلة ومعراجه الى السماء ورؤيته للأنبياء من قبله.