بسم الله الرحمن الرحيم .
يحكى أنه في قديم الزمان كان يعيش في الماضي رجل حكيم ، يتجول بين القرى ليبيع النصائح ، و مر هذا الحكيم في يوم من الأيام على رجل بسيط يزرع حقله ، فتقدم منه الحكيم و قال له : هل تشتري ما معي من بضاعه ؟
فأجاب الرجل و ماذا تبيع أيها الشيخ الكبير ؟
فأجاب الحكيم : أبيع النصائح ؟
فاستغرب هذا الرجل البسيط و قال : النصائح و ماذا أفعل بها ؟
فأجاب الحكيم : النصائح يا بني إن قررت استمعت إليها قد تجنبك الكثير من المتاعب .
فقال المزارع : و كم ثمن النصيحه ؟
فقال الحكيم : دينار واحد .
فقال المزارع : و لكن ليس مع دنانير و لكني معي ثلاثة أرغفه من الخبز هي زادي فقل تبيعني النصيحه برغيف ؟
فوافق الرجل الحكيم و قال بشرط أن تعطيني الرغيف قبل أن تسمع النصيحه ، فإن أنا أعطيتك النصيحه و لم تعجبك لم تدفع لي و لن ترد لي النصحيه .
فوافق المزارع و أعطى الحكيم رغيفاً و قال له : هات النصيحه .
فأجاب الحكيم : لا تقابل غريباً قط إلا و اسأله عن اسمه .
فقال المزارع : ماذا ؟ أعطيتك رغيف مقابل هذه النصيحه السخيفه ، و الله إنها لا تستحق الرغيف و لكن سأشتري منك نصيحه أخرى برغيف آخر عسى أن تكون خير من سابقتها ، و ناول الحكيم رغيفاً آخر و قال :
أعطني النصيحه الثانيه .
فقال الحكيم : لا تفضي بسرك إلى زوجتك .
فقال المزارع : والله هذه النصيحه أيضاً لا تستحق رغيفاً ثمناً لها ، و لكن على كل حال سأشتري منك النصيحه الثالثه بآخر رغيف معي ، و أعطى الرغيف الثالث للحكيم و قال :
هات الثالثه .
فقال الحكيم : لا تشهر سلاحك قط بين الناس .
فقال المزارع : يا هذا لقد خسرت زادي على نصائح لا تسمن و لا تغني من جوع ارحل عني فوالله لم أستفد من أي من نصائحك .
فرحل الحكيم عمن البستان و عاد المزارع إلى عمله و بينما هو يعمل إذ به يقع في حفره و يصرخ للحكيم حتى يساعده و يقول :
يا هذا ، يا فلان ، يا عجوز تعال و ساعدني لأخرج من هذه الحفره ، و لكن الحكيم لم يعلم أنه المقصود و تابع سيره ، و حين تمكن المزارع من الخروج من الحفره لحق بالحكيم و قال له :
ألم تسمعني و أنا أنادي لك حتى تأتي و تساعدني في الخروج من الحفره ؟
فقال الحكيم : و كيف لي أن أعرف أني المقصود دون أن تنادي اسمي ، ألم تكن نصيحتي الأولى لك أن تسأل أي غريب عن اسمه ؟ و لكنك لم تسألني عن اسمي فأنت لم تستفد من نصيحتي .
فغضب المزارع و طلب مرة أخرى من الحكيم أن يرحل ، فرحل الحكيم ، و عاد المزارع لعمله و في المساء و بينما هو عائد لبيته رأى كهفاً فقرر أن يدخل فيه ليستريح ، فوجد في الكهف جرة كبيره مليئة بالعسل و في داخل العسل ثلاث بطيخات ، و كان الفصل شتاءً في ذلك الوقت و البطيخ فاكهة الصيف ، لكن في ذلك الزمان كان الأثرياء من الناس يخزنون فاكهة الصيف للشتاء و فاكهة الشتاء للصيف بجرار العسل ، فالعسل يحفظ الفاكهة لفترة طويله دون أن يصيبها سوء ، ففرح المزارع لأنه يستطيع أن يبيع البطيخ في الشتاء بثمن غال و سيكسب الكثير من المال من وراء ذلك .
فعاد الفلاح إلى بيته فرحاً ، فسألته زوجته على سر فرحه ، فأخبرها بأمر الكهف و البطيخات و أنه سيذهب للسوق و يبيع البطيخات و يكسب من ثمنها الكثير من المال .
و بالفعل توجه إلى السوق و بدء ينادي : من يشتري البطيخ ؟ من يشتري البطيخ ؟ فاجتمع الناس من حوله و تعجبوا من أمره و قالوا ، و من أين تأتي بالبطيخ في الشتاء ، فأجاب بأنه سر و لن يخبر أحد عن هذا السر إلا من أراد أن يشتري منه البطيخ .
فتقدم منه أحد المزارعين و قال لا بد أنك تهزأ بنا ، فأنت لا تستطيع أن تزرع البطيخ في الشتاء ، و لست بأفضل من أحد منا . فرد عليه المزارع بأنه يستطيع و سيثبت ذلك بالدليل القاطع . فتحداه المزارع الآخر و قال لا بد أنك دجال فإن استطعت أن تحضرها سأعطيك بيتي و بستاني و جميع ما أملك ؟ و لكن إن لم تستطع إحضارها فماذا ستعطيني ؟ فأجابه بطلنا بأنه سيطعيه أرضه و بيته و كل ما يملك ، و أشهدوا من في السوق على هذا الرهان ، فذهب هذا الرجل إلى بيت بطلنا مسرعاً و دق الباب و حين فتحت زوجته الباب قال لها : زوجك قد أرسلني لإحضار البطيخات فهلا أعطيتني إياهم ؟ فقالت البطيخ ليس في البيت و لكنه في الكهف الفلاني ، فذهب مسرعاً للكهف و وجد البطيخات و ذهب بها إلى بيته و خبأها ، ثم عاد إلى السوق و كأن شيئاً لم يكن .
في هذه الأثناء ذهب بطلنا إلى الكهف و فوجىء بعدم وجود الجرات و البطيخات و بحث عنها كثيراً دون جدوى و عاد للسوق و أخذ يخبر الناس عن جرار العسل و كيف أنها كانت في ذلك الكهف لكنها لم تعد موجوده ، لكن أحداً لم يصدقه و أجبروه على إعطاء بيته و بستانه و كل ما يملك لذلك الرجل .
فحزن المزارع على المصيبه التي أصابته و قرر أن يرحل عن قريته لأنه خسر كل شىء ، و رحل عن قريته و هو لا يحمل إلا سلاحه ليحمي نفسه من الأخطار ، و حين وصل لقرية أخرى و هو حزين و مكتئب ، تقدم منه أحد الرجال و أخذ يسأله بغلظه ، من أنت و من أين أتيت و ما هذا السلاح الذي تحمله ، و المزارع يحاول تجاهله ، لكن هذا الرجل أبدى اصراراً في سؤاله ، أرني هذا السلاح ، من أين حصلت عليه ؟ هل هو مصنوع من الفضه أم ماذا ؟ و تقدم من بطلنا ليرى السلاح و حين اقترب منه ، استل المزارع سلاحه و طعن هذا الرجل فأرداه قتيلاً ، فاجتمع عليه أهل السوق و أخذوه إلى السجن حتى ينظر القاضي في أمره . و في هذه الأثناء سمع بائع النصائح بالقصه التي حدثت بين المزارع و الرجل الذي راهنه على كل ما يملك ، فقرر اللحاق به ليسدي له نصيحة أخيره ، و حين وصل للقرية التي سجن فيها بطلنا و سمع من الناس في السوق ما جرى ، ذهب للسجن ليراه ، فقال له آمر السجن : أنا أعرفك أنت بائع النصائح ، و ما أتيت إلا لتخلص هذا الرجل من ورطته ، فلن أسمح لك برؤيته ، فقال له الحكيم : أريد فقط أن أراه و أقسم أني لك أقول له كلمه واحده .
فوافق آمر السجن ، و كان بائع النصائح يجر كلباً معه قال لآمر السجن : يا بني أنا نظري ضعيف فأرجو أن تسمح للكلب بمرافقتي حتى يدلني على الطريق ، فسمح له آمر السجن باصطحاب كلبه معه ، و حين دخل على المزارع قال بصوت خفيض موجها كلامه لكلبه :
أيها الكلب العاق لماذا لم تستمع لنصائحي منذ البدايه ، انظر لما وصلت إليه الآن ، كانت نصيحتى الأولى لك أن تسأل أي غريب عن اسمه و لم تسألني عن اسمي ، و كانت نصيحتى الثانيه ألا تبوح بسرك لزوجتك و لم تستمع لي و خسرت كل ما تملك ، و نصيحتى الثالثه كانت ألا تشهر سلاحك بين الناس ، و لم تستمع لي و قتلت رجلاً و الآن أنت على وشك أن تخسر حياتك ، فلم يبق أمامي إلا هذه النصيح ، في الغد و حين يأخذوك للقاضي قل بأن لك أخاً قد وجدته قتيلاً و كان هذا السلاح مغروساً في صدره ، فأقسمت على الثأر له ، و صرت تجوب القرى باحثاً عمن يتعرف على هذا السلاح لتأخذ ثأرك منه ، و هذا الرجل الذي قتلته قد تعرف على سلاحك بشهادة أهل السوق فقتلته ثأراً لأخيك .
و هذا ما كان من أمر المزارع ، فقد قال للقاضي ما قاله له الحكيم و هو في السجن و نجا من الموت .
الخلاصه و العبره : لا تستصغر نصيحه مهما كانت من أي كان ، فأنت لا تعلم متى قد تحتاج إليها .
منقول